جديد د.الخلاقي: "دولة ابن مُقَيْص في حضرموت"

> "الأيام" خاص

>
 (مع وثائق تاريخية تُنشر لأول مرة)

قريباً سيكون في المكتبات الإصدار الجديد للباحث أ.د. علي صالح الخلاقي، وهو الأول في موضوعه المخصص للحديث عن "دولة ابن مُقَيْص" التي ظهرت في حضرموت الداخل مطلع أربعينات القرن الثالث عشر الهجري، ولم يكتب لها البقاء طويلاً إذ شهدت نهايتها التدريجية خلال الثلاث السنوات اللاحقة، ولذلك ارتبطت في الذاكرة الحضرمية في كونها أقصر دولة تُذكر في تاريخ حضرموت، حتى أصبحت محل تهكُّم لقصر عمرها الذي لم يتجاوز العامين، بل وغدت مثلاً يضرب به في قصر المدة.

استند المؤلف على وثائق تاريخية هامة، ذات صلة بدولة بن مُقَيْص، تعود إلى فترة نشوئها، وتحتوي الجديد والمفيد من أخبار هذه الدولة، محفوظة في خزائن وثائق أسرة فقهاء بني بكر-يافع (آل عزالدين)، والفضل في ذلك يعود لخازن هذا التراث النفيس الشيخ ناصر علي محمد الفقيه بن عزالدين البكري، الذي بادر مشكوراً لإخراج هذه الكنوز من أقفاصها التي ظلت حبيسة فيها لأكثر من قرنين من الزمن. وفضلاً عن الاستناد إلى ما جاء في هذه الوثائق، فقد تتبع المؤلف ما ورد في المصادر والمؤلفات الحضرمية من شذرات متناثرة عن هذه الدولة، لإثراء هذا البحث الذي يعد الأول من نوعه عن دولة ابن مُقَيْص.
إزدان الكتاب في مفتتحه بمقدمة ضافية كتبها البروفيسور د.عبدالله سعيد بن جسار الجعيدي أستاذ التاريح الحديث والمعاصر بجامعة حضرموت، رئيس مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، فيما يلي نصَّها :


يكرر المؤرخون الذين لا تسعفهم المصادر التاريخية في سد الثغرات التاريخية كتابة عبارة شبه متفق عليها، هي (لعل هناك وثائق جديدة توضح ما أُبهم من حلقات التاريخ المفقودة)، وهم بهذه الكلمات اليائسة يسقطون عن أنفسهم الحرج، وقلة الحيلة. لكن هذا الكتاب يبعث الأمل في أن عملية كشف بعض أسرار التاريخ المُرَحَّلة ليست بالعملية المستحيلة، فقد عثر المؤلف على وثائق ظلت حبيسة خزائن أسرة فقهاء بني بكر-يافع (آل عز الدين) لأكثر من مائتي عامٍ مضت، فشجعته للغوص في قضايا تاريخية لطاما تركت المؤرخين في حيرةٍ من أمرهم، وخاصة موضوع هذا الكتاب وهو (دولة ابن مُقَيْص في تريم).  

ومثَّلت الوثائق الركيزة الأساسية لهذا الكتاب، وهي عبارة عن مراسلات لا تخرج نصوصها كثيرًا عن التعريف بأخبار حضرموت، وتكمن قيمتها في حيادية معلوماتها، فهي لم تُكتب لغرض الكتابة التاريخية المباشرة بحيث يمكن الشك فيها، وجَرْحِهَا، إنما ترد فيها الإشارات التاريخية ضمنًا، ومما يزيد من قيمتها التاريخية تقادم الزمان عليها، وكنت قد قدمت للمؤلف (المستكشف الوثائقي) البروفيسور علي صالح الخلاقي كتابه المعنون (حملة بن قملا الوهابية على حضرموت) الذي أيضًا اعتمد فيه على وثائق جديدة أفصحت عنها خزائن هذه الأسرة اليافعية الجديرة بالشكر والتقدير.

والكتابة عن (دولة) ابن مُقَيْص التي ضنّت المصادر الحضرمية في ذكر تفاصيلها، تعد مغامرة علمية، ولا غرابة في ذلك فنحن أمام دولة قصيرة العمر انتهت بعد ما يقارب السنتين من إعلانها، ثم ان هناك مبالغة تاريخية في وصفها بالدولة فهي أقرب ما تكون إلى سلطةٍ لفرض أمنٍ داخليٍ منها إلى منظومة دولة لها مقوماتها، ومؤسساتها الإدارية ولو في حدها الأدنى.

وكما يفتح الكتاب نافذة أمل لمعرفة جوانب غير معروفة عن هذه (الدولة) فإنه يضعنا في دوائر غامضة، خاصة عند البحث عن معلومات مؤكدة  عن أصول سلطانها القبلية المتأرجحة في المصادر الحضرمية بين يافع، وبني تميم، ويبدو من أسباب الغموض الذي اكتنف نسب مؤسس هذه الدولة، إلى جانب تطابق اسم العشيرة (الأحمدي) عند القبيلتين، هو شيوع  النقد الساخر اللاذع الموجه لهذه الدولة بعد اضمحلالها مما جعل الكل يتبرأ منها، ومن سلطانها، ولعل هذا مصداق للعبارة الشهيرة  التي تنص:(إن الهزيمة يتيمة، والنصر له ألف أب)، والمؤلف بذل غاية جهده لترجيح تميمية سلطناها مستفيدًا من إشارات بنى عليها استنتاجاته.

وفي رأيي – ولفك الاشتباك التاريخي بين المصادر التاريخية- هناك بُعدًا ثالثًا لا بد من الإشارة إليه إذا نظرنا برؤية شمولية عن ماهية هذه الدولة العابرة في تاريخ حضرموت الحديث، وهو أن (دولة)  ابن مُقَيْص كانت فكرة سلام أكثر منها قوة تسلط،  فقد قدم مؤسسها من جاوا  بهدف نبيل، وهو السعي لاستتباب الأمور في مدينة تريم وما حولها، واستند لتحقيق فكرته على ماله الذي جلبه من مهجره، وعلى الدعم المعنوي الكبير للسادة في حضرموت، وعلى رغبة مجتمعية في السلام حتى عند المتنفذين من القوى اليافعية والقبائل المحيطة بمدينة تريم الذين قبلوا نظريًا بسلطته الأسمية عليهم، وبهذا دخل ابن مُقَيْص بصفته مصلحًا اجتماعيًا(حضرميًا)، وليس ضمن كتلة عصبوية تعضده - بحسب مفهوم ابن خلدون في تأسيس الدول- ولكن بريق المبادئ غير المسنودة بهيبة الحكم وصولجانه، وفي ظروف اجتماعية واقتصادية غير مواتية أو مشجعة جعل (الدولة) تغيب بأسرع مما توقعه المتفائلون.    

وبهذا يبتعد ابن مُقَيْص عن الصفة العسكرية القبلية، ويقترب من صفة المصلح الاجتماعي الذي سعى بجهود حالمة لوضع حدٍ للصراعات المزمنة التي أهلكت الحرث والنسل في عصره، فالرجل ضحى بماله بلا غطاء قبليٍ واضح يسنده، وكان بإمكانه ان يخلد للراحة ويعيش حياة رغدة خالية من المنغصات، وربما بهذا البعد يرد الاعتبار لهذه الدولة المظلومة في التاريخ، ويُنصف صاحبها الذي حمل فكرة السلام في واقع هش فشل في استيعابها، والتعاطي معها، وهنا يكمن سر نصر ابن مُقَيْص المستتر في جوف الزمان. 

بقي أن اتقدم بجزيل الشكر للصديق العزيز المؤرخ علي صالح الخلاقي الذي كثيرًا ما ضحى بماله، ووقته، وصحته، وهو ينقب في مجاهل التاريخ وخاصة ما يتعلق بالتاريخ المشترك بين يافع وحضرموت ليعود وجعبته مليئة بالجديد الثمين الذي يسعفه لتقديم قراءات حصيفة، بأسلوب شائق، ورصين.
الجدير بالذكر ان للدكتور علي الخلاقي العشرات من المؤلفات في الموروث الشعبي والتاريخي وهو من انشط الاكاديميين تاليفا واصدارا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى