توتر أمني في دارفور يخلط أوراق المشهد السياسي في السودان

> الخرطوم "الأيام" العرب:

> ​تصاعدت وتيرة التوترات في إقليم دارفور، تزامنا مع تعقد المشهد السياسي في السودان على وقع الخلاف الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع بشأن عملية الدمج وتشظي القوى المدنية، ما خلق فراغا بدأت تظهر توابعه في أماكن متفرقة.

وتريد جماعات مسلحة في دارفور توظيف الأزمة السودانية لارتكاب حوادث تحمل طابعا جنائيا وقبليا لخلط الأوراق السياسية، ومحاولة وضع عراقيل جديدة أمام أي تفاهمات تقود إلى التوقيع على الاتفاق النهائي، وتهدم الاستقرار النسبي الذي حققته قوات الدعم السريع في غرب السودان.

وحمّلت قوات الدعم السريع والي جنوب دارفور مسؤولية التردي في الأوضاع الأمنية بالولاية، معلنة سحب سيارات مقاتلة احتجاجا على تجاهل دعمها وتسهيل حركتها.

وقال قائد قطاع جنوب دارفور بقوات الدعم السريع العميد ركن أحمد سليمان، الثلاثاء، إن “انفراط الأمن خلال الثلاثة أسابيع الماضية يتحمله الوالي، وهو يعود كذلك إلى عدم التناغم بين أعضاء لجنة أمن وعدم تعاون الوالي معنا في قوات الدعم السريع”.

وفرضت حكومة ولاية غرب دارفور حالة الطوارئ في جميع أنحاء الولاية لمدة شهر قابلة للتجديد، وحظرت التجوال لمدة أسبوعين بعد مقتل خمسة أشخاص في اشتباكات بين ميليشيات مسلحة.

وشهدت الولاية اشتباكات بين مواطنين وميليشيات مسلحة في محلية “سربا” بالقرب من مدينة الجنينة عاصمة الولاية، ووقعت مواجهات مسلحة بمنطقة “فوربرنقا” بعد مقتل شخصين، ما أدى إلى إضرام نار ونزوح المئات من السكان.

وقامت مجموعات مسلحة في هذه الأثناء باقتحام أماكن مدنية وأطلقت النيران على مواطنين مدنيين بهدف السرقة والضغط على السكان لإخلاء مناطقهم.

وبعث تكرار الاشتباكات برسائل مفادها وجود أطراف خفية لديها مصلحة في أن يشهد الإقليم فوضى لإرباك الجيوش النظامية التي تدخل في مفاوضات معقدة في الخرطوم للوصول إلى صيغة للإصلاح الأمني وآليات الدمج والتسريح للفصائل.

وتنتظر أطراف عديدة في السودان نتيجة ما ستؤول إليه اجتماعات اللجان الفنية المشتركة بين الجيش والدعم السريع، التي علقت أعمالها الثلاثاء للمزيد من التشاور.

وقد تكون هناك عملية لإغراق الطرفين في مباحثات وإحداث توتر أمني في الهامش، وهو ما يخدم قوى معارضة للاتفاق الإطاري، في مقدمتها عناصر الحركة الإسلامية وفلول النظام السابق وبعض الحركات المسلحة غير المنضمة إلى الاتفاق وقوى يسارية ترفض العملية السياسية الراهنة.

ويعد استهداف عناصر من قوات الجيش والشرطة والدعم السريع على يد مجموعات مسلحة في دارفور دليلا على أن هناك محاولات تستهدف لفت الأنظار إلى درافور وتقزيم العملية السياسية الجارية في الخرطوم.

وشهدت مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور مقتل عقيد بالجيش على أيدي مسلحين مجهولين حاولوا سرقة سيارة عسكرية كانت تُقله، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من القبض عليهم، وقُتل ضابط برتبة مقدم في الجيش في منطقة “زالنجي” حاضرة ولاية وسط دارفور، ونُهبت مركبته بأيدي 3 مسلحين مجهولين أطلقوا عليه وابلا من الرصاص وسط أحد أسواق المدينة، قبل أن يفروا إلى جهة غير معلومة.

وقُتل نقيب في قوات الدعم السريع وأصيب 3 من جنوده بعد أن أطلق عليه مسلحون النار شرقي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، كما قُتل 4 أفراد من قوات الشرطة وأصيب 4 آخرون في اشتباك مع عصابة مسلحة، قبل أن تقوم الأخيرة بنهب السيارات في الطريق الرابط بين ولايتي وسط وغرب دارفور.

وقال عضو هيئة محامي دارفور نصرالدين يوسف إن الأحداث الأخيرة التي وقعت في دارفور يصعب النظر إليها بمعزل عما يحدث على الساحة السياسية، وتحديدا ما يرتبط بالخلافات المتصاعدة بين قوات الجيش والدعم السريع.

وأضاف لـ”العرب” أن هذه الأحداث يمكن وصفها بأنها “مفتعلة” وتخلقها كيانات مدعومة من فلول النظام السابق، وعناصر تنظيم الإخوان تريد صب الزيت على النيران ما يخدم مخطط عودتهم إلى السلطة وإفشال عملية التحول الديمقراطي.

وأكد أن دارفور تدفع ثمن ذلك الصراع الذي يتم إسقاطه من خلال الانتهاكات الصارخة لأوضاع حقوق الإنسان عبر القتل المستمر، الذي راح ضحيته عدد من الضباط كضحايا للصراع الخفي على السلطة.

وأوضح نصرالدين يوسف في حديثه لـ”العرب” أن ما يحدث في دارفور يرتبط بكيانات لها نفوذ في الإقليم، لأن الحوادث المرتكبة ضد مواطنين أو ضباط جرى فيها استخدام عربات دفع رباعي تمتلكها جماعات لديها مرجعية قوية في الإقليم، ما يجعل هناك قرائن على أن هذه العمليات لها خلفيات سياسية وتستفيد منها حركات مسلحة أو جهات تمارس ضغوطا على السلطة الانتقالية في الخرطوم لتحقيق مكاسب سياسية.

وتتوه عملية الوصول إلى الحركات أو المجموعات التي تعمل بين حين وآخر على إشعال الصراع المسلح في دارفور مع وجود أكثر من 80 حركة مسلحة في الإقليم، وتشظي الحركات الرئيسية، وعمل تنظيمات صغيرة تمتلك السلاح على تشكيل كيانات تحمل أسماء جديدة بحثا عن مكاسب مادية ومعنوية، شبيهة بتلك التي حدثت مع الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.

وذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم مصطفى الجميل أن ما يحدث في دارفور لا ينفصل عن تطورات المشهد العام، وبالتدقيق فيما يجري على الأرض فإن الحوادث الأخيرة تحمل صبغة جنائية لإبعاد الشبهة السياسية، وأن المنفلتين أمنيا يوظفون الحشد والاستنفار من جانب قوات الجيش والدعم السريع في الخرطوم لإثارة الفوضى في مناطق الهامش.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام تتواجد بشكل أكثر تنظيما في معسكراتها، ولم تشارك مباشرة في حوادث القتل، غير أن انتشار السلاح بصورة كبيرة أدى إلى تشكيل مجموعات مسلحة كثيرة في العامين الماضيين، وقد يكون لها ممولون هدفهم إفساد مساعي إنهاء الحرب بشكل كامل، ما يساعد على نشر الفوضى التي تعاني منها الدول المجاورة لإقليم دارفور.

ولا يستبعد متابعون إمكانية إعادة التدخل الأممي عبر قوات تساهم في ضبط الأوضاع، ما من شأنه أن يسهم في تهدئة الأجواء بالإقليم، لكنه يعيد البلاد خطوات عديدة إلى الخلف بعد رحيل قوات “يوناميد” منذ نحو عامين، ويقود ذلك إلى المزيد من المناوشات بين أطراف داعمة ورافضة لإعادة التدخل العسكري الدولي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى