دراسة استراتيجية تكشف تشكيل خارطة جديدة للقوى والمصالح في اليمن

> القاهرة «الأيام» الأهرام:

>
  • الرياض ترتب المشهد اليمني والشرعية أول الخاسرين
  • إطلاق عملية تسوية سياسية مرهون بملف الجنوب
  • تفاصيل مشاريع محلية وإقليمية تعمق الصراع
> كشفت دراسة أصدرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، أمس الثلاثاء، عن تعذر التسوية السياسية للأزمة اليمنية، مؤكدًا أن ما يتم حاليًا في اليمن ليس سوى إعادة تشكيل لخارطة القوى والمصالح المحلية والإقليمية على الساحة اليمنية.

وتضمنت الدراسة تفاصيل هامة عما يعتمل حاليًا من قبل أطراف يمنية ودولية في الملف اليمني، وفيما يلي أبرز الحقائق التي كشفتها:

لا يعتقد أن اليمن باتجاه عملية تسوية سياسية حتى وإن كان هناك حراك إقليمي ودولي في هذا الاتجاه، بقدر ما يعتقد أن هناك عملية إعادة تشكيل لخارطة القوى والمصالح في الساحة اليمنية، ويمكن أن تكون هناك تسوية في بعض الملفات وتصعيد في ملفات أخرى، لكن من الصعوبة بمكان تصور أن اليمن بصدد عملية تسوية شاملة في الأفق المنظور.

وينظر الطرفان (السعودية والحوثيون) لاستحقاقات المرحلة الحالية بشكل مختلف، وهو ما يمكن تناوله في سياق استعراض رؤية ومواقف الطرفين على النحو التالي:

- تنظر الحركة الحوثية إلى أن المرحلة المقبلة ليست مرحلة إنهاء الصراع الشامل في اليمن، وإنما مرحلة إنهاء التصعيد المسلح مع السعودية.

ومشروع الحركة غير مطروح للتفاوض، حيث تواصل الحركة الحوثية التأكيد على أن مشروعها السياسي بكل أبعاده (الأيديولوجية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. إلخ) هو مشروع غير قابل للتصفية.

- أما الرؤية السعودية لعملية التسوية، فعلى الرغم من منح العملية السياسية في اليمن أولوية، إلا أن الرؤية السعودية لا تقتصر على ملف التسوية وإنما تمتد إلى ترتيب الملف اليمني بشكل عام، والخروج من دائرة الصراع في اليمن وطي صفحة الصراع المسلح فيه، للتفرغ لمشروعها الإقليمي والتنموي، فقد كلّفها الصراع في اليمن الكثير من الأعباء الاقتصادية في الوقت الذي تسعى فيه إلى التركيز على مشروعها للتنمية في إطار رؤية 2030، وبالتالي فإن استمرار الحرب في اليمن أو بقاء اليمن كجبهة صراع خلفية يشكل تحديًا لها.
  • دلالات رئيسية
تعكس محصلة هذه المواقف عددًا من الدلالات الرئيسية المرحلية التي تؤكد على فرضية التسوية المستحيلة ومنها:

1- لا ينسجم الرهان الحوثي مع السياسة السعودية تجاه التعامل مع ملف الأزمة اليمنية بشكل عام، فالتعارض ما بين الطرفين واضح تمامًا.

2- يصعب فرض المنطق الحوثي (الند للند) في إطار العلاقة ما بين الحركة الحوثية والسعودية على نحو ما ترغب الأولى، فالمنطقي أن دور الحركة الحوثية في اليمن ينحصر في كونها أحد الأطراف السياسية وليس الطرف المهيمن الذي يجب أن يُخضِع الآخرين لشروطه.

3- تعيد الرياض ترتيب المشهد اليمني من الداخل، وفي هذا السياق تشير العديد من التقارير إلى أن الشرعية ربما لا تتفق كلية مع تحركات الرياض الأخيرة، وعلى الجانب الآخر تبدي الرياض تحفظات تجاه تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي، والمؤتمر الجامع في حضرموت، وهو الوضع الذي ينطوي على تحدٍ بالنسبة لخطة الرياض تجاه اليمن بشكل عام، من حيث إدارة التوازنات بين القوى اليمنية.

4- من غير الواضح ما هو مصير تحالف دعم الشرعية، فهل تعني مبادرة الرياض إلى التهدئة والتفاوض مع الحركة الحوثية أن التحالف انتهى، أم أنه لا يزال قائمًا، وفي حال عودة الحركة الحوثية للتصعيد مرة أخرى ضد الرياض، فهل ستشارك دول التحالف في التصدي لذلك أم لا؟.

5- لا توجد أوراق ضغط قوية على الحركة الحوثية لتقديم تنازلات تجاه عملية التسوية، فإيران لا تسعى إلى الضغط على الحركة لتقديم تنازلات، بل على العكس ستغير إيران فقط من تكتيكاتها من الأزمة اليمنية.

6- يصعب إطلاق عملية تسوية سياسية بدون إدراج كافة الملفات ذات الصلة والمتعلقة بشكل الدولة بما يتضمنه ذلك من جملة من القضايا التي تتشابك مع المشروع الحوثي، مثل النظام السياسي وملف السلاح، والقضايا الخاصة بالجنوب، ومن المتصور أن المرجعيات الثلاثة بحاجة إلى إعادة النظر فيها بحكم المتغيرات.

7- لا تزال جبهة الشرعية ضعيفة، على الرغم من التحسينات الهيكلية التي جرت في إطار مؤتمر مجلس التعاون الخليجي، كما أن ملف إدماج كافة القوى السياسية والعسكرية تحت مظلة الشرعية لم ينضج بعد ومن دون اصطفاف هذه القوة فإن ميزان الشرعية سيظل مختلًا.

8- لا تزال الشرعية رهينة مشروع الجمهورية الأولى، على الرغم من أن نظام الجمهورية على مدار أربعة عقود لم يقدم دولة عصرية حديثة وظلت ولاءات ما دون الدولة هي المتحكم الفعلي في مفاصل الدولة بغض النظر عن أشكالها. وفي حين لم تعد تلك الأدوات متاحة بالأساس بحكم إضعاف الصراع والأزمة لها، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما هي الأدوات السياسية البديلة التي يمكنها هزيمة المشروع الحوثي، خاصة وأنها لم تترجم في المناطق المحررة، التي تحولت إلى مراكز قوى في عدن وحضرموت بمشروع دولة الجنوب.
  • استنتاجات رئيسية
من المتصور أن أطراف الصراع في اليمن وصلت إلى مرحلة الإنهاك، وبعد أكثر من 8 سنوات على الحرب بات من المستحيل التعويل على الحسم العسكري، فالرياض تسعى إلى مغادرة دائرة الصراع، لكن من الأهمية بمكان النظر إلى تكلفة ذلك، فإنهاء وجود التحالف العربي من دون عملية سياسية متماسكة سيؤدي إلى انكشاف الشرعية أمام الحركة الحوثية.

وفي الأخير، لا يعتقد أن عملية تسوية الأزمة اليمنية ممكنة في ظل غموض طبيعة المرحلة الراهنة، ما بين إدارة الهدنة وتعثر تطويرها إلى عملية تسوية سياسية في المستقبل، وتقاطع مشروعات كافة الأطراف المعنية (المحلية والإقليمية) مع عملية التسوية.

وفي المقابل، يمكن القول إن السيناريو التالي في اليمن هو إعادة "تشكيل خريطة اليمن كساحة لتوازنات القوى وجماعات المصالح والمشروعات الجهوية"، وبالتالي تكمن معضلة اليمن ليس فقط في إنهاء دورة الصراع والانتقال لدورة التسوية، وإنما أيضًا في غياب معيار الدولة الوطنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى