​الحرب لم تنتهِ بعد.. اليمني أسيرا لدى يمنيين!

> فاروق يوسف:

>
​منذ متى ونحن نتبادل الأسرى فيما بيننا؟ منذ الحروب في الجاهلية الأولى وصولا إلى الجاهلية الثانية وما بينهما. ليست هناك حاجة إلى إحصاء عدد الأسرى الذين وصولوا إلى بيوتهم والذين فُقدوا في الطريق والذين ماتوا وأخذوا قيودهم معهم إلى العالم الآخر. أما الذين لا يتذكرون تاريخ أسراهم ولا يتعرفون على وجوههم في المرايا ويضحكون حين يسمعون أسماءهم فهم الصفحة البيضاء من الحكاية. ولأن الحرب حكاياتها كثيرة فإن الأسر هو واحدة من تلك الحكايات لو لم يجد المرء نفسه أسيرا لدى أهله وحين يُفك أسره يعود إلى أهله. وما من فرق بين أهل وأهل سوى أن هناك مسافة قتل استحدثها الأهل المنقسمون على أنفسهم ليكون أسيرا مَن نجا منها، أما قتيل وأما أسير، أما العائد إلى بيته فهو مشروع مؤجل ما دام الأخوة الأعداء يجترون حكايات جاهليتهم التي تتجدد وهو ما ينعش الذكريات ويمتن العلاقة بالتراث ويسلي الأجيال التي صارت تتعرف على ماضيها شفاهيا.

حين يتبادل اليمنيون أسراهم فإنهم لا يخرجون على النص. يفعلون ما يؤكد أصالتهم ويعمق صلتهم بعصر، لم يعد له وجود إلا على أرض تُسمى مجازا وطنا. وهي ليست كذلك. ذلك لأن مواطني وطن واحد لا يصلحون لتمثيل دور الأسرى حتى على المسرح. لا يمكن للمواطن أن يكون أسيرا. ولكن العبث بالأوطان خرب كل المفاهيم وجعل من الأوطان مجرد رقعة شطرنج وما الرعايا سوى بيادق يتم نقلها من مكان إلى آخر، مكان يكونون فيه أحرارا وآخر تحل بهم فيه لعنة الآسر ويكونون فيه مجرد أرقام، ما الموعظة من ذلك واليمنيون مولعون بالمواعظ؟ ليس هناك معنى للتاريخ، يضع اليمنيون التاريخ خلف ظهورهم ويسمون
الأشياء بغير أسمائها، فمن المخجل فعلا أن يكون اليمني أسيرا لدى يمنيين، ما الذي تركناه لسوانا، أعدائنا على سبيل المثال؟

شارفت الحرب في اليمن على نهايتها، هل هي كذلك حقا؟ ولكن هناك شكا في أن اليمنيين قد تعلموا منها شيئا ينفعهم في مستقبل أيامهم. لن يتغير شيء، القبائل ستظل واقفة خارج صالة الانعاش والوطن سيبقى ممددا على طاولة التشريح. هناك خلاف على المكان الذي تُجرى فيه المفاوضات بين طرفي الخصومة. صالة الانعاش أم صالة التشريح؟ ربما لا خلاف على مريض يبذل الآخرون مساع لإنقاذه أو ميت يجري الآخرون له عمليات لمعرفة سبب وفاته. ألا يأمل اليمنيون في أن يتعافى وطنهم؟ ولكن اليمنيين شيء والمحاربين الذين استولوا على مدنهم شيء آخر. سيكون من الصعب الجمع بين الطرفين.

في سياق تلك المعادلة صار اليمن كله أسيرا، ليته كان أسير عاطفته التي لطالما أسرت كل مَن زاره وكل مَن أقام فيه باعتباره وطنه الثاني. كان اليمن وطنا حقيقيا للهاربين من أوطانهم وكان اليمنيون دائما في أشد حالاتهم كرما وهم يستقبلون ضيوفهم. ذلك شعب ما كان عليه أن يسمح للقبلية أن تفعل به ما فعلته. وهبه تاريخه السياسي المعاصر فرصا عديدة للتحرر من ذلك القيد الذي لم يعد ضروريا في زماننا. كما أن موقع اليمن جعل منه ملتقى لمصالح العالم، لثقافاته، لتناقضاته.  وهو في الوقت نفسه الزمن الذي يتسلل المرء من خلاله إلى الحضارات الأولى. تريد أن تتعرف على العرب، أذهب إلى اليمن.

لا تستحق اليمن ما جرى لها، لا يستحق اليمنيون ما فعلوه بأنفسهم، ليست الطائفية هي الأصل في اليمن، وكان على اليمنيين أن يقفزوا عل قبليتهم بعد عقود من الدولة. شهد الجنوب تجربة، كانت بكل أخطائها نقلة في التاريخ اليمني. لم يكن العصر الحديث بعيدا، واليمن الذي يتحدث عنه الآخرون لم يكن بلاد قسوة، لذلك يشعر المرء بالوجع حين يراه يقسو على نفسه ويوزع أبناءه أسرى، ما هذه السياسة التي لا تفهم شيئا من التاريخ، ما هذه التجارة التي تضع الوطن على طاولة التشريح الداخلي والخارجي؟.

ينتقل الأسرى من يمن إلى يمن، ما هذه اللعبة؟ سيكون على الجميع أن يفجعوا. فالعملية ليست مسلية، هناك وجع داخلي سيصيب اليمنيين بدوار تاريخي فقد فتحوا أبواب متاهة، كم ضحك العالم عليها، شعب يقتل نفسه وفي النهاية يتبادل الأسرى مع أهله، لا تنتهي الحروب بتلك الطريقة، ليس لدى اليمنيين وقت للضحك ولكنهم سيضحكون كثيرا.
"ميدل ايست أونلاين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى