قراءة في مخرجات اللقاء التشاوري الجنوبي ومكانتها في مصفوفة الأولويات الراهنة

> قاسم داؤود علي:

> تتويجا لجولة واسعة وناجحة من الحوار الوطني الجنوبي الذي جاء استجابة لمبادرة المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلا برئيسه اللواء عيدروس قاسم الزبيدي، عُقد اللقاء التشاوري الجنوبي في الفترة ما بين 4 – 7 مايو بحضور ثلاثمائة وثلاثون مشاركا ينتمون لمكونات وهيئات ومنظمات سياسية ومهنية ومدنية وثقافية ومن مختلف الفئات والشرائح والنخب والرموز الوطنية والروحية والاجتماعية والمرأة والشباب، والمنخرطين في النضال الوطني الجنوبي، والمؤمنين بالحوار والمدركين لأهمية التوافق الجنوبي على رؤية سياسية عامة تلتزم بما قررته الإرادة الشعبية للغالبية الساحقة من الشعب، وتستهدف تحقيق تطلعاته العامة والمشروعة، وفي مقدمتها حقه في استعادة وبناء دولته الوطنية الفيدرالية كاملة السيادة، ومستقبل يليق به.

ليس مطلوبا من هذه الورقة تقديم عرض تقييمي مفصل للقاء التشاوري، ولا أيضا ما سبق نشره وتناوله عبر مختلف وسائل الإعلام والنشر والتواصل "على أهميته"، ولكنها ستتناول بإيجاز شديد لأمور اعتبرها جوهرية ومفتاحية، وتستحق من الجميع إبرازها وفهمها أولا، والتمسك بها والدفاع عنها، ناهيك عن تحقيقها على صعيد الواقع والالتزام بها.

بمعنى آخر سوف اجتهد من خلال هذه الورقة بإيضاح النقاط التي كانت وراء وصف اللقاء التشاوري بالحدث التاريخي، ووصف مخرجاته ممثله في الوثائق الأربع "بالتاريخية" وهي:

• الميثاق الوطني الجنوبي.

• الرؤية السياسية لإدارة المرحلة الراهنة.

• أسس وضوابط المشاركة في المفاوضات السياسية.

• أسس بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة.

ولماذا حظيت بذاك القدر من القبول الجنوبي العام الشعبي والسياسي حتى من أولئك الأخوة الذين اعتذروا عن المشاركة في اللقاء التشاوري، وبالارتياح والتأييد من حلفاء الجنوب والمتعاطفين مع قضيته ونضاله وحقه في الخلاص والحياة الحرة الكريمة في كنف دولته الوطنية، وبالاهتمام من قبل الأطراف المهتمة بوضع حد للحروب وتحقيق تسوية سياسية شاملة تؤسس لسلام مستدام.

وعلى العكس مما ورد أعلاه تعاملت قوى وأطراف عديدة، ومتعارضة مع بعضها، ولا علاقة لها بشؤون تخص الجنوب وشعبه، مع مخرجات اللقاء التشاوري بنزعة عدائية، وردود فعل هيستيرية، وغير متوقعة من بعضها، وقد شرعت في أعمال ومبادرات، تستهدف في جوهرها إرجاع الجنوب إلى أوضاع ما قبل اللقاء التشاوري، أو طرح ترتيبات ومشاريع تلتف على مخرجات اللقاء التشاوري، ويكون الجنوب وممثليه جزءا منها، وعلى طريقة وضع السم في العسل، والخناق من خلال العناق.

وبهذا البعد وحده علينا أن نفهم ونقيم ما حصل لشعبنا في الماضي، ونفهم ونتعامل مع ما يحدث اليوم، والمرشح أن يستمر ويتصاعد إلى أن يتحقق الخلاص والانتصار الكامل.

لنا في مخرجات اللقاء التشاوري الجنوبي ما يكفي من الوضوح المطلوب لتجنب الوقوع في الخطأ والانحراف عن الطريق المؤدية للخلاص وبأقل قدر من الكلفة والمعاناة، وفيها ما يمنع من السير وراء الأوهام الخادعة والمضللة والترتيبات والمشاريع المكلفة، والتي تستنزف طاقات شعبنا، وعناصر قوته، وتطيل معاناته، وتسعى لإبقائه عاجزا ومقيدا بمشاريع لا له فيها لا ناقة ولا جمل، ومجرد وسيلة يقايض فيها الآخر لخدمة مصالحة.

ما يحسب للقاء التشاوري والمشاركين فيه هو أنه كان وبحق سيد قراره كما يقال، متحررا من أية وصاية أو جهة ما، توجه وتقرر أكان بصورة مباشرة أو من وراء الستار ومتحررا من المشاريع الأيدلوجية الضيقة.

كان الجنوب وقضيته وتطلعات شعبه في مركز اهتمام اللقاء التشاوري، وفي سبيلها تسلح اللقاء بالعقل الجمعي والنضج السياسي والعمل الجماعي المجسد للشراكة والحوار وقبول الآخر، والشعور بالمسؤولية.

ولذلك كله نجح اللقاء التشاوري الذي حضره ولأول مره في تاريخ الجنوب المعاصر تنوع سياسي وثقافي واجتماعي، ومن كل محافظات الجنوب ومدنه، ومكوناته الجغرافية ليضعوا معا رؤية عصرية موحدة للمستقبل الجنوب، تستجيب لتطلعات ومصالح العامة المشتركة، وفي ذات الوقت تراعي الخصوصيات والاهتمامات والحقوق المحلية أكانت للمكونات الجغرافية، والمجتمعات المحلية، أو التي تخص شرائح وفئات وجماعات من المجتمع.

بمعنى أنها تشكل عقد سياسي واجتماعي مؤيد من المجتمع بأسره، الوثائق نصت على الدولة المدنية الفيدرالية، والشراكة، والفصل بين السلطات وسيادة القانون. والمساواة بين المواطنين، والحقوق والحريات، ومكانة المرأة ودورها، من حق وواجب كل فئة وأصحاب مصلحة أن يتسلحوا بالوثائق ويتمسكون بها، ويحمونها من أي تجاوز أو انتهاك ومن أي خروج عليها.

وبما أن ثلاث وثائق لم يتم بعد نشرها رسميا، باستثناء الميثاق الوطني الجنوبي، فقد تجنبت الخوض في التفاصيل، ونطرح على الأخوة والأخوات، وعلى الجهة المنظمة المقترحات التالية:

1. نشر الوثائق الأربع وطباعتها في كتيب، وترجمتها للغات الحية، للعلم أن من بين من يدعون لذلك منظمات ومراكز أبحاث دولية، ومهتمين ومتخصصين.

2. جعل الوثائق الأربع حاضرة عند كل نشاط، وتأكيد على إعادة النظر بكل السياسات والتصورات والأعمال والتحالفات لتنسجم مع ما نصت عليه الوثائق الأربع، وبما لا يسمح بالعودة إلى ما كان سائدا قبل اللقاء التشاوري، ولم يعد يستجيب للمتطلبات الجديدة.

3. وفي إطار ما ذكر أعلاه من المهم العمل على جدولة ما تضمنته الوثائق الأربع إلى مهام مزمنة، آنية ومتوسطة المدى، وبعيدة المدى، والبحث عن وسائل وآليات مرنة تضمن إشراك سائر القوى التي صدقت عليها، والمجتمع بأسره في عملية التنفيذ، وإطلاق العنان للمبادرات المحلية.

4. البحث الجدي للدور السياسي- المستقبلي المشاركين في اللقاء التشاوري، والقوى والمنظمات التي مُثلت فيه وصادقت على وثائقه ووقعت على الميثاق الوطني الجنوبي، والتي لم تندمج في إطار الانتقالي ولم تمثل في هيئاته، والتي تشكل جزء من الكتلة الوطنية التاريخية والحزام السياسي المعني بتطبيق وثائق اللقاء التشاوري والدفاع عنها، وهي قوى لها حضورها وتأثيرها، وليس من المصلحة الاستغناء عن دورها، أفراد ومنظمات.

5. هناك دعوة لطرح وثيقة الميثاق الوطني الجنوبي للتوقيع الشعبي وفي سائر المحافظات الجنوبية، والمقيمين في الخارج، وفقا لآليات وإجراءات شفافة، ومرنة، تعظم القيم الوطنية والسياسية من وراء العملية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى