البرعي.. ألم في زمن اندثار القيم..!

> محمد العولقي :

> * تذكرون ذلك الإذاعي الألمعي المتميز محمد يسلم البرعي الذي حباه الله صوتا موسيقيا رخيما، و حنجرة ذهبية تبدو كميناء ترسو عليها كل سفن الإبداع و التميز.

* تذكرون ذلك السندباد كيف كان يلف ملاعبنا (كعب داير) بهمة و نشاط دون كلل أو ملل، بالقطع تتذكرون معي كيف كان يتنقل بين ملاعب محافظات الجمهورية المترامية الأطراف لينقل لمسامعنا وصفا لمباريات الساحرة المستديرة عبر أثير إذاعة عدن.

* تذكرون ذلك الفارس اللغوي الذي يحفظ عن ظهر قلب نحو سيبويه و أوزان موسوعة مختار الصحاح، تذكرون كيف كان خير خلف للسلف الراحل كروان التعليق سالم بن شعيب.

* محمد يسلم البرعي أول إعلامي يؤسس برنامجا إذاعيا يقترب زمنه من الساعتين، كان يتجول و يرتحل إلى كل المحافظات أثيريا في رحلة على بساط الريح، و كأنه رحالة مثل ابن بطوطة، كان أول برنامج رياضي و شبابي على مستوى الوطن العربي يستمر سنوات و سنوات يفتش في خفايا الأندية و أسرارها و يحلل الأحدث بعمق و خفة، و لم يتوقف هذا البرنامج الناجح إلا عندما توقف نبض إذاعة عدن قسرا و قهرا و عمدا.

* ينتمي محمد يسلم البرعي إلى جيل العمالقة في إذاعة عدن، واكب كل المتغيرات السياسية و الرياضية، و كان لسانه يجلجل عبر الإذاعة لينقل الأخبار الحصرية التي لا يقوى مذيع غيره على التصدي لها بشجاعة.

* قارئ نشرة أخبار متمكن من ناصية اللغة، مذيع ربط ذكي يتغلغل صوته إلى مساماتنا بنعومة، كان يحلق بنا في فترتي المساء و السهرة تشعر به و كأنه صديق و رفيق درب يداعب أحاسيسنا بإذن تعشق قبل العين أحيانا، معلق رياضي محايد مقتدر حافظ على مدرسة توأمه الراحل سالم بن شعيب من الاندثار و حمل رايتها بأمانة و إخلاص، مقدم برامج رياضية و شبابية توعوية يختار موادها و مواضيعها بعناية، كان إعلاميا شجاعا يسبر أغوار الأسئلة المسكوت عنها، حتى عندما أعلن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض فك الارتباط في 21 مايو عام 1994 لم يجرؤ مذيع على قراءة الخبر الحصري سوى هذا الرجل.

* عرفت محمد يسلم البرعي مع بداية مشواري الإعلامي، تقدمت لأكون مراسلا لبرنامجه مجلة الشباب و الرياضة، ثم محللا فنيا، و وجدت منه المدد و العون اللازم، و هو من النوع الذي يكره الأنانية و يؤمن دائما بأن المبدع لا يمكن كبح جماحه أو تكسير مجاديفه كما يفعل بعض المصابين بجنون العظمة، نوعية راقية فكرا و سلوكا تعلمت منه فلسفة القراءة الإذاعية، كان يقول: عندما تتكلم إذاعيا أعلم أن هذا الهواء لحم ودم و مشاعر، كن مركزا و لا تخش الميكرفون.

* يؤسفني أن هذا الأستاذ الذي تتلمذنا على يديه و أفضاله علينا و على جميع الرياضيين تغطينا من قمة الرأس حتى أخمص القدمين يعاني من أزمات مرضية حادة و ظروف أخرى قاهرة ألقت به إلى غياهب النسيان.

* و يؤلمني أن رجلا أمينا على الإبداع مثل البرعي لا يجد من يسأل عن أحواله و يواسيه في مصائبه، و هو الذي كان محاطا بهالة شعبية و رياضية و شبابية غير مسبوقة في تاريخ الإعلام الجنوبي خاصة و اليمني عامة، تماما مثلما أن مواقفه مع الجميع كانت مضربا للأمثال.

* يحزنني أن هذا الأستاذ العبقري في مجاله، و الذي كان وقتها يوازي فضائية كاملة مركون على رف الإهمال، لقد تفرق من حوله الأصدقاء من ذوي المصالح الشخصية و بقي في الليلة الظلماء يلعق آلامه المريرة معزولا عن محيطه، ملازما لفراش المرض وحيدا مثل السيف فردا.

* و كما أن صديقي و أخي الكابتن وجدان شاذلي مدير عام مكتب الشباب والرياضة بعدن فتح للرياضيين نافذة رد جميل، فلا شك أن محمد يسلم البرعي في أمس الحاجة إلى لفتة إنسانية في صورة تكريم معنوي بالدرجة الأولى، يعيد له ثقته في الآخرين الذين غرهم سراب الهرولة خلف مناصب لا يستحقونها في وزارة الشباب والرياضة.

* لاحظوا أنني حصرت دعوتي لإنصاف و تقدير البرعي عبر الكابتن وجدان و معه الصديق الرياضي و القيادي خالد خليفي وكيل وزارة الشباب و الرياضة لسببين:

الأول : وجدان كان له نصيب كبير من تجليات المعلق محمد البرعي عندما كان لاعبا يلهب لسان البرعي الأصدق أنباء من الكتب، كان البرعي أكثر معلق تقديرا لدور وجدان مع نادي الوحدة، و قد أحسن الوصف حتى تحول وجدان على حنجرة البرعي إلى ربيع يختال ضاحكا.

الثاني : يمكن اعتبار الأخ خالد خليفي الاستثناء الجميل في وزارة متنافرة تعج بالنطيحة و المتردية و ما أكل السبع من فضلات، و الخليفي خير من عاصر رحلة البرعي رياضيا، و يشهد له أنه كان آخر الرجال المحترمين في دنيا التعليق الرياضي، و طالما و قد أصبح خالد على رأس الهرم الإداري وزاريا فالعبء الأكبر في تكريم البرعي يقع على عاتقه دون غيره.

* أتمنى على الكابتن وجدان و القيادي الخليفي تجهيز تكريم مناسب يوازي عطاء محمد يسلم البرعي و يعيد لنا أمجاده و لو من نافذة اجترار بعض ملاحمه الإعلامية، و يمكن لوجدان و خالد من خلال علاقتهما الوطيدة بالجهات ذات العلاقة حشد أكبر قد ممكن من المكرمين، خصوصا و الأخ خالد الخليفي رياضي بالفطرة و قيادي محنك عاش و عايش سنوات ربيع جوكر الإعلام المسموع محمد يسلم البرعي بكل زخمها الإبداعي.

* و يا أيها العزيزان الرائعان خالد خليفي و وجدان شاذلي، اطرقا باب البرعي بقوة و ارعيا حفلا تكريميا خاصا يضعكما في مرتبة الانتصار للمبدعين الذين يموتون في بيوتهم بلا حس و لا خبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى