آخر تحديث :الأربعاء - 15 مايو 2024 - 02:29 م

عرب وعالم


عدد السجناء تجاوز طاقة استيعاب السجون في بلد عربي

الثلاثاء - 18 أبريل 2023 - 03:52 م بتوقيت عدن

عدد السجناء تجاوز طاقة استيعاب السجون في بلد عربي

متابعات

طفت على السطح خلال الأيام الماضية أزمة السجون الأردنية التي تشكو من اكتظاظ كبير، ما دفع الحكومة إلى الإعلان عن خطة لبناء سجون جديدة يرى فيها بعض المحللين حلولا غير مجدية، في حين يدعون إلى مراجعة القوانين ونظام تأهيل المساجين وتعزيز الأوضاع الاجتماعية للحد من نسب الجريمة.

عمّان - ترزح السجون الأردنية تحت ضغوط قلة الأماكن المخصصة للمساجين، وارتفاع نسبة الجرائم المرتكبة، والقوانين التي تمهد الطريق للعقوبات بالحبس، مع وجود أكثر من 19 ألف سجين في 18 مؤسسة مصممة لاستيعاب ما لا يزيد عن 13.300 سجين.

وتسبب الاكتظاظ في العديد من المشاكل للسجناء والحكومة على حد السواء، فكلفة السجن باهظة جدا، حيث يكلف كل سجين الحكومة ما يقدر بنحو 1000 دولار شهريا لتغطية مصاريف الغذاء والرعاية الصحية والأمن.

وتقول الصحافية الأردنية سهى معاية إن هذا الوقت ليس الوقت المناسب ليُزج بأي شخص خلف القضبان في الأردن، كما أن الوضع داخل السجون غير إنساني، حيث تحدث السجناء عن عدم كفاية الخدمات الصحية، وسوء التهوية، وعدم جدوى الصرف الصحي، فضلا عن التوزيع غير السليم الذي يضع المجرمين من المستوى المنخفض إلى جانب المجرمين الخطرين.

وفي تقرير لها بموقع “سنديكيشن بيورو”، نقلت الصحافية ما صرح به أحد الناشطين السياسيين مؤخرا بعد اعتقاله في شهر يناير لاحتجاجه على زيادة أسعار الوقود، حيث قال لها “كان الأمر مهينا لأنه لا يوجد فصل بين السجناء، وكنت مسجونا مع تجار مخدرات ومجرمين آخرين”.

سهى معاية: معالجة مسببات الجرائم هي الحل وليس بناء السجون

ومشكلة السجون المكتظة ليست جديدة على الأردن، لكن الجديد هو شعور الحكومة بالحاجة الملحة إلى التعامل مع هذه المسألة، حيث أعلن وزير الداخلية مازن الفريح في شهر يناير الماضي عن خطط لبناء سجن جديد في الأزرق، شرق عمان، بكلفة 70 مليون دينار (حوالي 100 مليون دولار) وبمجرد اكتماله سيستوعب 3 آلاف سجين إضافي.

 كما يجري العمل على توسعة سجنين آخرين، وشرعت السلطات في تنفيذ تدابير غير عقابية -مثل الخدمة المجتمعية- لتقليل إجمالي عدد نزلاء السجون.

ولئن كانت هذه الخطوات جديرة بالثناء، فإنه من غير المرجح أن تصبح السجون الأردنية أقل ازدحاما من دون حل متعدد الأوجه يعالج الأسباب الجذرية لاكتظاظ السجون.

وشكلت السرقات الصغيرة في عام 2021 ما يقرب من نصف جميع الجرائم في البلاد، في حين أن أقل من نصف في المئة من الجرائم كانت جرائم قتل، وفقا لبيانات الشرطة. وعلى الرغم من الانخفاض العام في معدل الجريمة بين عامي 2012 و2021 في الأردن استمر عدد نزلاء السجون في التضخم.

وفي العام الماضي صدمت سلسلة من جرائم العنف الأسري الشعب الأردني، وأرسلت الكثيرين إلى السجن، وتضمنت إحداها رجلا قتل ابنتيه الصغيرتين ودفنهما في فناء منزله الخلفي.

إن الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع مستوى تعاطي المخدرات وقضايا الصحة العقلية تغذي الجرائم والاضطرابات الاجتماعية وانتشار السخط العام والإحباط من التوجه الذي تسلكه البلاد، خاصة بين الشباب.

جرائم العنف الأسري صدمت الشعب الأردني العام الماضي وأرسلت الكثيرين إلى السجن، وتضمنت إحداها رجلا قتل ابنتيه

لكنْ هناك أيضا أسباب بيروقراطية لمشكلة السجون في البلاد؛ فالعديد من السجناء هم مجرمون من المستوى المنخفض ولا ينبغي أن يكونوا خلف القضبان على الإطلاق.

ومن أمثلة ذلك جريمة الديون؛ فقد حُبس ما يقرب من 2630 شخصا في عام 2019، أي حوالي 16 في المئة من نزلاء السجون في الأردن، بسبب العجز عن سداد القروض أو الشيكات المرتجعة.

وفي العام الماضي كان ما لا يقل عن 148 ألف شخص مطلوبين بسبب ديون غير مدفوعة، وهي جرائم يعاقب عليها بالسجن.

ومع ذلك، بدلا من رفع مستوى المخالفات التي يسجن مرتكبها، فعل المسؤولون العكس حيث أعلنت الحكومة في شهر يناير أن التخلف عن سداد قروض بقيمة 20 ألف دينار أو أكثر يعاقب عليه بالحبس، وفي السابق كان المبلغ 100 ألف دينار.

والمشكلة الأخرى هي القوانين الغامضة التي تسمح للسلطات باحتجاز وسجن المواطنين الذين ينتقدون الحكومة والنظام السياسي، ويشير نشطاء حقوق الإنسان إلى قمع المعارضة كأحد الأسباب الرئيسية لاكتظاظ السجون.

العديد من السجناء هم مجرمون من المستوى المنخفض ولا ينبغي أن يكونوا خلف القضبان على الإطلاق

على سبيل المثال يتضمن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2006 تعريفا واسعا للإرهاب وهو: “ارتكاب عمل يعرض سلامة وأمن المجتمع للخطر وينتهك النظام العام ويعكر صفو العلاقات مع دولة أجنبية”.

وعلى الرغم من القوانين التي تجرم احتجاز أي شخص لأكثر من 24 ساعة دون إذن من النيابة، يواصل المحافظون إصدار آلاف أوامر الاحتجاز الإداري بموجب قانون يسمح بالحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى عام دون تهمة أو محاكمة، وفقا لتقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2022 حول حقوق الإنسان في الأردن. ويخضع حاليا ما يقرب من 1800 مواطن للحبس الاحتياطي.

وترى الصحافية الأردنية أن هناك حاجة إلى إستراتيجية متعددة الأوجه لمعالجة هذه القضايا، ويجب تقييم القوانين الجنائية التي تمهد الطريق إلى السجن وإعادة النظر فيها، كما يجب أيضا تحسين برامج إعادة التأهيل.

وفي تقريرها نقلت معاية عن حسين الخزاهة، المختص في علم الاجتماع بالجامعة الأردنية، قوله إن المجرمين الذين يزج بهم في السجن أكثر من مرة يشكلون 39 في المئة من نزلاء السجون في الأردن، وهي نسبة محيّرة تشير إلى فشل جهود إعادة التأهيل.

لذلك ترى كاتبة المقال أنه للتصدي لتكرار الجريمة وتسهيل إعادة الإدماج بعد الإفراج، على الحكومة تخصيص أموال لبرامج إعادة التأهيل الفعالة التي تراعي ظروف السجناء الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.

وقال عبدالله الناصر، وهو المؤسس والمدير الإداري لمركز الرعاية اللاحقة للسجناء المفرج عنهم (إدماج)، “إن النجاح بعد السجن ممكن، خاصة مع توفر الدعم المناسب، حيث يمكن للسجناء السابقين تحقيق النجاح في حياتهم المهنية”. ويعمل الناصر مع شركات القطاع الخاص لتسهيل العثور على عمل للأشخاص الموقوفين بسبب جرائم بسيطة بعد الإفراج عنهم.

ولمعالجة مشكلة الاكتظاظ في السجون الأردنية يتوجب على الحكومة العمل مع منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى الأمن والعدالة وحماية الحقوق الفردية والحريات المدنية.

ولتجنب الجريمة قبل وقوعها، ينبغي للحكومة أيضا إعطاء الأولوية للإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وتلبية احتياجات المحرومين والاستثمار في برامج الصحة والتعليم والتنمية، ومحاربة البطالة والفقر.

وتشدد سهى معاية على أن بناء سجون جديدة لن يحل مشكلة اكتظاظ السجون في الأردن. وإذا كان المسؤولون في عمان يريدون حقا تخفيف العبء عن الدولة، فعليهم معالجة المسببات التي تضع بعض الناس خلف القضبان، وليس التركيز على ما يحدث بمجرد وصولهم إلى السجن.

العرب